الحياء.. زينة المرأة المسلمة .. ؟؟
- حقيقة الحياء:
الحياء هو إحدى فضائل المؤمنين والمؤمنات، ويظهر في توقير الله عزّ وجلّ، والتزام الأدب معه، وتجنب المعاصي توقيراً له سبحانه وتعالى.
* والحياء صفة من صفات الله تعالى: لقوله (ص): "إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين".
* والحياء صفة من صفات الملائكة:
فقد رُوي عن النبي (ص) أنه قال: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة".
* والحياء خلق الأنبياء:
يقول (ص): "أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح" ، ويصف (ص) موسى عليه السلام بقوله: "كان رجلاً حيياً ستيراً، لا يُرى من جلده شيء استحياء منه".
* والحياء خلَّد ذكراها:
ففي سورة القصص، وردت قصة هذه المرأة التي زانها الحياء، وكان سبباً في تشريفها وتخليد ذكراها، في أعظم الكتب وأصدقها، ولندع القرآن الكريم يروي لنا قصة ابنة شعيب مع نبي الله موسى (ع)، يقول سبحانه: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (القصص/ 25).
فهذا الموقف يؤكد حياء تلك المرأة من جانبين:
الأول: أن القرآن الكريم وصفها جاءت على استحياء دون تبذُّل، ولا تبجح، ولا تبرج، ولا إغراء، ولا إغواء.
والثاني: حياء القول، الذي أكدته كلماتها لموسى عليه السلام، حيث وضحت مرادها بعبارة قصيرة موجزة ودقيقة، وانتقت ألفاظها لتؤكد مدلولها وسلامة قصدها، من غير أن تسترسل في حديثها مع موسى عليه السلام، وهذا يؤكد فطرتها النقية النظيفة، ونفسها الطيبة المستقيمة.
* الحياء زينة النساء:
فالحياء لكل الناس، وهو وقار للرجال، وزينة للنساء، ولزومه للنساء أولى، لذا فقد نتعجب إذا قارنا بين حياء المرأة في عهد رسولنا الكريم وضياع الحياة عن نساء كثيرات، فهذه ريحانة رسول الله (ص) السيدة فاطمة الزهراء ، فقد بلغ بها الحياء أنها كانت تخشى أن يصفها الثوبُ بعد وفاتها، ولقد استقبحت ذلك كثيراً، حتى جعلت لها أسماء نعشاً، وهو أول ما كان النعش آنذاك، ثم الأكثر من ذلك أنها ، أمرت أسماء أن تغسلها هي وزوجها فقط، وألا تُدخل عليها أحداً، فكانت أول من غُطي نعشها من النساء في الإسلام.
فللحياء أثر في تستر المرأة وتحجبها واحتشامها، وتلك غريزة في الرجل والمرأة على السواء، فقد أكد القرآن الكريم ذلك وأبانه في قوله تعالى حكاية عن آدم وحواء: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ) (الأعراف/ 22).
ولله درُّ شاعرنا إذ يقول:
إذا قل َّ ماء الوجه قلّ حياؤه **** ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياءك فاحفظه عليك فإنما **** يدلُّ على وجه الكريم حياؤه
وقد بين رسولنا الكريم ذلك في قوله (ص): "إن الحياء لا يأتي إلا بخير".. وقوله (ص): "الحياء كله خير".
وقد أكد النبي (ص) حقيقة الحياء في قوله: "استحيوا من الله حق الحياء"، قلنا: إنا نستحيي من الله يا رسول الله والحمد لله. قال: "ليس ذلك، الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة، وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل استحيا من الله حق الحياء".
فلكل من الخير والشر سمات ومؤشرات تدل عليه، وسمة الخير الحياء، فالحياء مؤشر ودليل على وجود الخير في صاحبه، وسمة الشر التبجح. فعن رسول الله (ص) أنه قال: "الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار".
وقد جسَّد الشاعر هذا المعنى حينما أنشد:
لا تسأل المرء عن خلائقه **** في وجهه شاهد من الخبر
وقد أشار القرآن الكريم إلى قراءة الخير في وجوه أهله، وذلك نجده في قول الله تبارك وتعالى يصف أصحاب محمد (ص): (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (الفتح/ 29).
وفي المقابل وصف ذوي القلوب المريضة من المنافقين بقوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد/ 29-30).
* قالوا عن الحياء:
- قال بعض الحكماء: "من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه".
- وقال بعض البلغاء: "حياء الوجه بحيائه، كما أن حياة الغرس بمائه".
- وقال بعض العلماء البلغاء: يا عجباً!! كيف لا تستحيي من كثرة ما لا تستحيي وتتقي من طول ما لا تتقي؟!
- ويقول الجنيد يرحمه الله: "الحياء رؤية الآلاء، ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى "الحياء".
والحياء خلق يبعث على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق.
وقال الفضيل بن عياض: "خمس علامات من الشقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل.
ويقول ابن القيم يرحمه الله: "الحياءُ خصّ به الإنسان دون جميع الحيوان، فخلق الحياء أفضل الأخلاق وأجلها... فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة".
الفرق بين الحياء والخجل:
الحياء صفة إيجابية محمودة، لأنه يقي الإنسان الوقوع في السوء، والحياء خلق إسلامي لا يأتي إلا بخير، ولا يترتب عليه تضييع مصالح، أو حقوق، ولا الاستسلام أو الخضوع للآخرين بذلة. وتطمئن النفس إلى الحياء، ولا تنزعج منه ولا تضطرب، بل تتوافق معه وتنسجم، قال رسولنا الكريم (ص): "الحياء لا يأتي إلا بخير".
* ومن أمثلة الحياء:
تجنب كشف العورات، والحياء من الضيف، وحياء الفتاة البكر يبرز في عفتها، وملبسها، ومظهرها الخارجي، وكلماتها.
أما الخجل فيعني: الخوف من الناس، والجرأة الخارجة عن اللياقة، وقلة الذوق، وسوء الأدب مع الله ومع الناس، ويترتب عليه تفويت المصالح أو الرضا بالإذعان والخضوع والذل، وتنزعج منه النفس ولا تطمئن إليه من داخلها.
* ومن أمثلة الخجل:
خوف الإنسان من أن يتحدث إلى الآخرين أو خشية الطالب من أن يسأل معلمه، أو صدود الفرد عن الحق خجلاً من أهل الباطل، لذلك قال الله عزّ وجلّ لنبيه (ص): (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف/ 2).
وهذه دعوة للنبي (ص) وأتباعه من المسلمين ألا يتحرجوا في أن يصدعوا بالحق، غير مبالين بأهل الباطل، لذا فعندما أمر رسولنا الكريم المقدام من قبل ربه بأن يصدع بالتوحيد والدعوة، ارتقى الجبل بكل عزة وإقدام، وأعلن ذلك بقوة واعتزاز..فهل فقه المسلمون معاني الحياء وثمراته؟ وهل فقهت المسلمات أثر الحياء وهو أجمل زينة يتزينَّ بها في الدنيا والآخرة؟!!